تأتيها آلام المخاض
هاهو العارُ سيخرجُ منها بعد دقائق، سيتحوّلُ بشرا له وجهٌ و اسم ..
تدخلُ أمّها صفراء الوجه إلى الغرفة القاصية التي صارت حبسها منذ أشهر ،منذُ أن عرفت أمرها.
” اخرسي” !
تصرخ في وجهها و هي تسمع أنّات مخاضها.
تكتم البنتُ تنهّدها، تُفلتُ أنّةٌ من رقابتها، تلفّ أمّها محرمةً على فمها و تربطها وراء رأسها بقسوة لتمنعها من الصّراخ.
تقاطعها دقّاتٌ على الباب.
تفتحه فإذا هي امرأة خمسينيّة ممتلئة الجسم مُلتفّةٌ في مُلاءةٍ زرقاء، تدخل بهدوء و احتشام …
هي القابلة إذا.
تقول بصوتٍ منخفض ” ربّي يبقّي علينا السّتر”
تشعرُ أمّها بالإرتباك، تنظُر إليها شزرا و كأنّها تُحمّلها للمرّة الألف مسؤوليّة هذا الموقف المُخزي.
تمتمم كي تشعر المرأةُ بحالها ” جابتلنا العار … جابتلنا العار”
ثمّ تمدّ للقابلة إناء به ماءٌ ساخن، إناء به ماءٌ بارد، صابونا، محارم، مقصّا و بضع أدوات أخرى .
تعود إلى ابنتها الملقاة أرضا على الحصيرة.
تبدأ في نزع ملابسها عنها مسرعة، تنزع قمصانها دفعة واحدة بعنف، لا وقت لنزعهم الواحد تلو الآخر…
لا رفقَ أيضا.
يهجم البردُ الشّتويّ على نصفها العلويّ الأعزل من الثّياب، ترتعش بردا … أو خجلا.
تنظر إليها أمّها بلامبالاة أشدّ منه برودة…
تنزع تنّورتها في حركةٍ آليّة…
عندما تُلامسُ يدها لباسها الدّاخليّ تنكمشُ البنتُ على نفسها، تزجرها أمّها ” الآن صرتِ تخجلين !”
تُلقي عليها لحافا ثمّ تتركُ مكانها للقابلة.
تأخذ القابلة مكانها قُبالتها، تشتدّ تقلّصات بطنها، ليس لها الحقّ في الصّراخ، تردّد عليها القابلة ” ادفعي … ادفعي”
لا تستجيب !
كأنّها تُريدُ أن يظلّ هذا العارُ في بطنها… ليس من الجيّد لهذا الطّفل أن يأتي.
لكنّ الألم يزيدُ أكثر فأكثر، يبدو أنّ هذا الطّفلَ قد قرّر القدوم غصبا عنها.
ترى مقدّمة رأس المولود، ثمّ كتفيه… تتصبّبُ عرقا … لم تعد تشعر بشيء تقريبا … تخاطبها القابلة ثمّ تبلّلُ أمّها رأسها بالماء البارد … لا يجب أن يُغمى عليها.
في وسط إغمائها و بضبابيّة، ترى الآن جسده كاملا … تقطع القابلة الحبل السّرّي … تمرّ بضع لحظات قبل أن تسمع بكاءه.
“ابن الحرام” كما تقولُ أمّها قد أتى …
هي أمّه التي أورثته العار … و لا أب له …العارُ لا يلاحق الرّجال في الشّرق.
تسمع أكثر من صوت الآن، امرأة أخرى تدخل، ربّما كانت وراء الباب منذ البداية، رغم قواها المنهارة تنتفض حين ترى المرأة تحمل ابنها و تخرج به من الغرفة، تنظر إلى أمّها في استجداء، تمنعها أمّها من الوقوف بعنف، فيُغمى عليها من جديد.
حين تفيق تجد أمّها بجانبها، تمدّ لها كأس ماء فتردّه.
تقول أمّها ” لقد فعلتُ أفضل ما يمكن للجميع”
تقاطعها بصوتٍ مبحوح : ” ماذا كان جنسه ؟”
– فتاة
– و من أخذها ؟
– ليس مهمّا، أخذوها بعيدا …
لو بقيت لقتلها أخوالك و قتلوكِ معها.
لا تعلمُ إن كان كلام أمّها مبالغا فيه أم لا، لكنّها تُدركُ أنّ مصيرا شديد السّوء كان في انتظارها هي و ابنتها إذا انكشف أمرهما…
تعضّ على شفتها …تبتلع ريقها الملتهب… و تُغمضُ عينيها بحدّة .
ليس للعار أيّ حقّ، ليس له حتّى الحقّ في الأمومة … |